ناصر العبدلي: السلم الأهلي

مررنا في الفترة الماضية بمعركة عبثية، الجزء الأكبر منها بتحريض من الحكومة، ويمكن توزيع الأجزاء الباقية على بعض النواب الطائفيين والقبليين والمناطقيين في المجالس الماضية، وربما بعض الفعاليات الدينية والاجتماعية ممن ظهر أنها «ترتزق» على حساب المواطن البسيط بإدخاله معارك عبثية كتلك التي حدثت خلال السنوات الماضية لحساب مشاريع معادية للديمقراطية والدستور.
عندما طرح مشروع الإصلاح السياسي المتمحور حول معالجة عيوب قانون الانتخاب الحالي، وإشهار التنظيمات السياسية والحسم نحو النظام البرلماني الكامل، توقعنا أن يكون هناك مشروع مضاد لإجهاض ذلك المشروع بعدما لاح في الأفق تعاطف شعبي معه، لكن لم يخطر في بالنا أبدا في أي مرحلة من المراحل أن يكون إجهاض ذلك المشروع على يد بعض الفعاليات البرلمانية والدينية والاجتماعية، لكن توقعنا كان أقل مما حدث، وقد أدى ذلك الواقع فعلا إلى إعادة النظر بكل ما يحيط بذلك المشروع من حسابات.
كنا نحلم بتحقيق مشروع الإصلاح السياسي، ومن حقنا أن نحلم كغيرنا من الشعوب، لكن واقعنا الآن يقول إننا بالكاد نستطيع معالجة تبعات تلك الحرب العبثية وتضميد جراح مكونات المجتمع الكويتي، بعد ما لحق بها من أذى على يد الحكومة، وبعض الرموز المحسوبة عليها من جهة، وعلى يد بعض النواب من جهة أخرى، فنحن لا يمكن أن نخطو خطوة إلى الأمام ومكونات المجتمع تنظر بعدم ثقة لبعضها البعض.
لا بد من مصالحة وطنية وتكون هذه المرة على عاتق شباب تلك المكونات، فالأمل معقود عليهم بإشاعة أجواء تنبذ الطائفية والقبلية والمناطقية، وماداموا هم من يقود الحراك الوطني في هذه المرحلة فليكونوا أقل تشبثا بالمعايير التي قسمت البلد الصغير الجميل على أسس طائفية وقبلية ومناطقية، وليكونوا أكثر حرصا على أن تكون الكفاءة هي المعيار الذي تقوم عليه كل مشاريعهم المستقبلية، دون حساب لمثل تلك التقسيمات الاجتماعية والمذهبية التي هوت بنا إلى قاع سحيق.
نحن بحاجة أكثر من قبل إلى السلم الأهلي الوطني، ولنحرص قدر ما نستطيع على استعادة ذلك السلم والثقة في ما بيننا، والضغط على المؤسسات القائمة لتبني مثل ذلك التوجه الشبابي، فمن دون أن يكون لدينا سلم أهلي وثقة بين مكونات المجتمع لن يكون لدينا تنمية وتطور كما نحلم دائما، وليكن مشروع إجهاض الإصلاح السياسي عبرة لنا في أن الحوار الجاد هو المخرج لمثل ذلك الواقع المتردي.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.